تم النسخ!
أزمة "صدمة غزة": ارتفاع حالات الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي
![]() |
| صورة تعبيرية تظهر حجم الأزمة النفسية التي يواجهها الجنود الإسرائيليون بعد حرب غزة |
في كشف صادم يسلط الضوء على التكلفة البشرية الخفية للحرب، تتزايد التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي تفيد بوجود موجة غير مسبوقة من حالات الانتحار بين جنود الجيش الإسرائيلي، مرتبطة بشكل مباشر بالصدمات النفسية العميقة التي تعرضوا لها خلال العمليات العسكرية في قطاع غزة. هذه الظاهرة، التي يحاول الجيش التكتم عليها، بدأت تتسرب إلى العلن، كاشفة عن أزمة صحة نفسية خطيرة تهدد بنية المؤسسة العسكرية وتثير فزعًا واسعًا في المجتمع الإسرائيلي. بناءً على متابعتنا الدقيقة للمصادر الإعلامية العبرية والدولية، يتضح أن الأرقام المعلنة قد تكون مجرد قمة جبل الجليد لأزمة أعمق بكثير.
تحليل شخصي: نرى أن هذه الموجة من حالات الانتحار ليست مجرد أرقام إحصائية، بل هي مؤشر خطير على فشل منظومة الدعم النفسي داخل الجيش الإسرائيلي في التعامل مع حجم الصدمة الناتجة عن حرب طويلة وشرسة مثل حرب غزة. إن طول فترة القتال، ومشاهد الدمار والموت، وفقدان الرفاق، كلها عوامل تخلق "جروحًا غير مرئية" أثبتت أنها أكثر فتكًا من رصاص العدو بالنسبة لهؤلاء الجنود.
في هذا التقرير، نستعرض تفاصيل هذه الأزمة المقلقة، ونحلل الأرقام المعلنة وغير المعلنة، ونسلط الضوء على أسبابها الجذرية، وتأثير "صدمة غزة" على الصحة النفسية للجنود، وسياسة التعتيم التي يتبعها الجيش الإسرائيلي.
أرقام قياسية وتكتم رسمي
وفقًا لتقارير نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية مرموقة، شهد عام 2024 تسجيل 21 حالة انتحار مؤكدة بين الجنود، وهو الرقم السنوي الأعلى منذ عقد كامل. لكن الكارثة الحقيقية بدأت تتكشف في عام 2025، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 16 حالة انتحار منذ بداية العام حتى الآن، مما ينذر بأن العام الحالي قد يحطم جميع الأرقام القياسية السابقة بشكل مأساوي.[1]
المثير للقلق هو أن الجيش الإسرائيلي يرفض نشر أي بيانات رسمية حول هذه الحالات بشكل دوري، ويفضل الانتظار حتى نهاية العام لنشر تقرير سنوي مجمع، وهي سياسة تهدف بوضوح إلى التعتيم الإعلامي ومنع إثارة الرأي العام خلال سير العمليات العسكرية. ومع ذلك، تشير مصادر غير رسمية ومنظمات حقوقية إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، وتتحدث عن ما بين 35 إلى 42 حالة انتحار منذ أكتوبر 2023.[3]
| الفترة الزمنية | العدد الرسمي لحالات الانتحار | العدد التقديري (غير رسمي) |
|---|---|---|
| عام 2024 | 21 حالة (الأعلى منذ عقد) | غير محدد |
| منذ بداية 2025 | 16 حالة على الأقل | غير محدد |
| منذ أكتوبر 2023 | غير معلن رسميا | 35 - 42 حالة |
ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟
يشير الخبراء إلى أن السبب الرئيسي وراء هذه المأساة هو "اضطراب ما بعد الصدمة" (PTSD)، وهي حالة صحية عقلية مرهقة يمكن أن تحدث بعد التعرض لحدث صادم أو رؤيته. بالنسبة لجنود حرب غزة، فإن هذه الأحداث الصادمة تشمل:
- القتال العنيف والمطول: خوض معارك شرسة في بيئة حضرية معقدة وخطيرة.
- مشاهد مروعة: مشاهدة الموت والدمار وإصابات خطيرة للزملاء والمدنيين.
- فقدان الأصدقاء: التعامل مع الحزن والشعور بالذنب لفقدان رفاق السلاح في المعركة.
- الضغط النفسي المستمر: العيش في حالة تأهب وخوف دائم من الكمائن أو الهجمات المفاجئة.
وهذا يشبه إلى حد كبير ما عانى منه الجنود الأمريكيون بعد حربي فيتنام والعراق، حيث أظهرت الدراسات أن نسبة كبيرة منهم عادوا وهم يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الانتحار والإدمان والتشرد بينهم. يبدو أن إسرائيل تواجه الآن "متلازمة فيتنام" الخاصة بها، لكنها ترفض الاعتراف بذلك علنًا.[2]
تتضمن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الكوابيس، واستعادة الذكريات المؤلمة (الفلاش باك)، وتجنب أي شيء يذكر بالصدمة، والشعور باليأس والعزلة، وهو ما يدفع بعض الجنود في النهاية إلى اتخاذ قرار مأساوي بإنهاء حياتهم.[4]
حالات فردية تكشف حجم المأساة
خلف الأرقام الصماء، هناك قصص إنسانية مؤلمة. من بين الحالات الأخيرة التي تم الكشف عنها، قصة جندي من لواء غفعاتي أقدم على الانتحار بعد عودته من القتال في غزة. وفي حادثة أخرى، انتحر جندي أثناء خدمته في قاعدة "سدي تيمان" العسكرية، وهي قاعدة سيئة السمعة ارتبطت بتقارير عن انتهاكات بحق المعتقلين الفلسطينيين، مما يثير تساؤلات حول ما شاهده أو شارك فيه هذا الجندي وأدى به إلى هذا القرار.
هذه الحالات الفردية، التي تتسرب بصعوبة عبر جدار الصمت الرسمي، ترسم صورة قاتمة عن يأس الجنود العائدين من جحيم غزة، وشعورهم بأن المؤسسة التي أرسلتهم إلى هناك قد تخلت عنهم وتركتهم يواجهون شياطينهم وحدهم.
في الختام، فإن أزمة انتحار الجنود الإسرائيليين هي أكثر من مجرد قضية عسكرية؛ إنها قضية مجتمعية وإنسانية تكشف عن الجانب المظلم للحرب وتأثيرها المدمر على النفس البشرية. إن استمرار الجيش الإسرائيلي في سياسة التعتيم لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة، فبدون اعتراف صريح بحجم المشكلة وتوفير دعم نفسي حقيقي وفعال للجنود، سيبقى شبح "صدمة غزة" يطاردهم، وستستمر قائمة الضحايا في الازدياد، ليس في ساحة المعركة، ولكن في صمت غرفهم المغلقة. إن اضطراب ما بعد الصدمة هو العدو الخفي الذي ينتصر في هذه الحرب.


















